روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | المرأةُ والبركةُ في الوقت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > المرأةُ والبركةُ في الوقت


  المرأةُ والبركةُ في الوقت
     عدد مرات المشاهدة: 2400        عدد مرات الإرسال: 0

تُعاني كثيرٌ من النِّساء من ضِيقِ الوقتِ وتعدُّدِ وكثرةِ المسؤوليَّاتِ الملقاةِ على عاتِقِها خاصَّةً عندما تكون المرأةُ زوجةً وأمًّا لأطفالٍ صغارٍ وكثيرًا ما تكون امراةً عاملةً في ظلِّ ضغوطٍ إقتصاديَّةٍ يعيشُها المجتمعُ يصعبُ عليها تركُ الوظيفةِ فيفِرُّ الوقتُ مِن يديها فرارًا وهي لم تنتهِ بعدُ من نصفِ أعمالها، فهي بحاجةٍ أن يتضاعفَ اليومُ كي تنتهيَ من هذه المسؤوليَّاتِ، فهل من المُمكنِ فعلاً أن يتضاعفَ اليومُ وتتحقَّقَ هذه الأمنيةُ التي تبدو كحلمٍ مستحيلٍ.

من البدهيِّ أنَّ الوقتَ الفيزيائيَّ لليوم لن يتغيَّرَ ولن يزيدَ حتى ساعةً واحدةً فهذا أحدُ السُّنَنِ الكونيَّةِ ولكنَّ الذي يُمكن أنْ يتغيَّرَ محتوى اليوم ومضمونُه، بحيث يبدو كأنَّ اليومَ قد تضاعف بصورةٍ حقيقيَّةٍ وهو ما يُمكن أن نُطلقَ عليه البرَكةَ في الوقتِ التي لن يكونَ هناك إنسانٌ بأمسِّ الحاجةِ لها من المرأةِ المضغوطةِ.

قبل أنْ نتحدَّثَ عن طُرُقِ إستجلابِ هذه البَركةِ لابُدَّ أن تفكِّرَ المرأةُ في جوهرِ حياتها.. هل هذه الحياةُ التي تعيشها هي ما كانتْ تتمنَّى أن تعيشَ ولو كانتِ الإجابةُ بالنَّفيِ فما الأسبابُ؟ هل السَّببُ مجرَّدُ إزدحامِ الأعمال أم طبيعةُ الأهداف ونوعيَّةُ الحياةِ التي تحياها والتي تبدو في بعضِ الأحيان وكأنَّما لا مفرَّ منها كأنما تدور في حلَقةٍ مُفرغةٍ.

إذْ تختلف طريقةُ المعالجةِ بإختلافِ السَّبب حتى وإن تشابهتِ الأعراضُ.

[] الطَّريق الصَّحيح

مهما كانتِ الأهدافُ الرَّاقيةُ الحقيقيَّةُ بعيدةً وتبدو صعبةَ التَّحقيقِ إلَّا أنَّ السَّيْرَ على الطريق الصحيح يؤدِّي دائماً لتحقيق الهدف حتى لو تأخَّر بعضَ الشيء.

سأضرب مثالاً سهلاً على ذلك هدفُ حفظِ كتاب الله تعالى لامرأةٍ مشغولةٍ جدًّا قد يبدو هدفًا صعبًا للغاية لإمرأةٍ لا تنتهي مسؤوليَّاتُها أبدًا ويبدو لها تناولُ قسطٍ مُريحٍ من النَّوم حُلماً صعبًا.

لكنَّ هذه المرأةَ لو صدُقتْ نيَّتُها فلن تعدمَ أن تجدَ عشرَ دقائقَ فحسبُ بعدَ صلاةِ الفجر تحفظُ فيها سطريْن من كتابِ الله.. مجرَّدُ سطرين يوميًّا سيجعلها تحفظُ صفحةً كاملةً كلَّ أسبوعٍ، وفي العامِ الواحدِ سوف تحفظ خمسين صفحةً، ولَوِ استمرَّتْ بهذا المعدَّل فإنَّها سوف تتمُّ حفظها في نحوٍ من عشرِ سنين، هذا إذا افترضْنا أنَّ ظروفَها لن تتحسَّنَ ولن يُتاحَ لها المزيدُ من الوقتِ.

ربَّما السَّنواتُ العشرُ تبدو مدَّةً طويلةً، ولكن إذا وضعْنا في الحُسبانِ شرفَ الغايةِ وأنَّ كلَّ آيةٍ يتمُّ حفظُها تَرفعُ من مكانتِها درجةً -حتى لو لم تُتِمَّ الحفظَ كلَّه- فسيُغيِّر الموقفُ النَّفسيُّ من طُول المدَّةِ.. عشرُ سنواتٍ يقضيها الباحثُ المتخصِّصُ حتى يحصُلَ على درجتَيِ الماجستير والدكتوراه ولا يستثقلها.

عشرُ سنواتٍ في حفظِ كتاب الله لامرأةٍ مضغوطةٍ أمرٌ يبدو أكثرَ من رائعٍ فقطْ مِن خلالِ عشرِ دقائقَ مُبارَكاتٍ أعرف صديقةً حفظتْ تسعةَ أجزاءٍ من القرآن الكريم من خلال الإستماعِ لمحطَّةِ القرآن الكريم أثناء أدائَها لأعمال البيت المعتادةِ، فهي قد حدَّدتْ هدفَها وهو حفظُ كتابِ الله ومن ثم كان عقلُها مع الإستماع والتِّكرار ويداها تقوم بأعمال الكنسِ والتَّنظيف فلا تشعرُ حتَّى بالإرهاقِ من العمل اليدويِّ، لأنَّ قلبَها وعقلَها يدوران في مدارٍ مختلفٍ.

البركةُ في الوقتِ تعني أنْ يتَّسِعَ ليسمحَ بأداءِ العديد من الأعمال التي كانت تستغرقُ وقتاً أطولَ من قبلُ وتكون أعمالاً ذاتَ نوعيَّةٍ أكثرَ جودةً وقيمةً في الحياةِ.. البركةُ في الوقت تعني أنْ تقلَّ الخسائرُ والمقاطعاتُ واللفُّ والدَّورانُ.

[] كيف تستجلب البركة؟

بطاعةِ الله عزَّ وجلَّ وهو أمرٌ ملحوظٌ حتى إنَّ بعضَ السَّلفِ كان يقولُ: إنِّي لأعصي اللهَ فأرى ذلك في خُلقِ امرأتي ودابَّتي، والله سبحانه يقول {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يجعلْ لهُ مَخْرَجاً*ويَرْزُقُه مِن حيثُ لَا يحتسبُ} [الطلاق:2-3] فالمرأة عندما تتَّقي اللهَ عزَّ وجلَّ سيجعل لها مخرجاً من الضُّغوطِ والأعباءِ {ومَن يتَّقِ الله يجعلْ له مِن أمرِه يُسْرًا} [الطلاق:4] فتتيسَّر حياتُها مِن حيثُ لَا تحتسبُ أو تتوقَّعُ، حَكتْ لي صديقةٌ أنَّها ومنذ اتَّخذت عادةَ التَّسبيحِ والإستغفارِ فِي أثناءِ طهوِ الطعام، أنها تُنجزه في وقتٍ أقلَّ، ويكونُ مذاقُه أجملَ ويمتدحُه زوجُها بعدَ أن كان دائمَ الشَّكوى مِن عدم إجادتِها للطَّهوِ ومِن ثَمَّ صارتْ علاقتُها به أفضلَ وأقوَى.

واللهُ سبحانه يقول {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} [الأعراف:96] فالبركةُ ثمرةٌ للتَّقوى على مستوى الأفرادِ والأُمَمِ.

[] البَركةُ والدُّعاء:

الدُّعاءُ هو أقصرُ الطُّرُقِ للحصولِ على البَركة في الوقتِ، فدعاءٌ صادقٌ ومتضرِّعٌ وقتَ السَّحرِ أن يهديَ أبناءك ويؤلِّفَ بين قلوبِهم قد يُوفِّر وقتًا طويلاً في فضِّ المشاجراتِ والنُّصحِ والتَّذكيرِ للأبناء، فهناك أبناءٌ تقرُّ أعينُ آبائهم بهم وآخَرون يشقَى بهم هؤلاءِ الآباءُ ويُهدرون عليهم الوقتَ والمالَ دونَ نتيجةٍ واضحةٍ.

ادْعِي اللهَ وأنتِ واثقةٌ في الإجابة أن يُيسِّرَ أمرَك ويُباركَ في وقتِك ثمَّ توكَّلي على اللهِ بعدَ ذلك.

«لوْ أنَّكم توكَّلتُم على اللهِ حقَّ توكُّلِه لرزقكمْ كما يرزقُ الطَّيرَ تغدو خِماصًا وتَروح بطانًا» رواه أحمد والترمذي.

ولو أمعنتِ التفكيرَ ستجدين أُخْرَياتٍ لديهنَّ ظروفٌ تشبه ظروفك وربَّما أشدُّ وعلى الرُّغم من ذلك إستطعْنَ النَّجاحَ وتحقَّقتْ لهنَّ البركةُ في الوقتِ، فأنجزْنَ أهدافهنَّ الدِّينيَّةَ والدُّنيويَّةَ وتبقَّى لديهِنَّ فائضٌ من الوقت للحياةِ الإجتماعيَّةِ والدَّعويَّةِ والحياةِ العامَّةِ، بل تبقَّى لديهنَّ فائضٌ من الوقت للإسترخاء والتَّأمُّل والترفيه فهلَّا سألتِ نفسَك لماذا؟

[] البركةُ والبُكور:

ومن الوسائلِ المُعينةِ لجلبِ البَركةِ البُكورُ، فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «اللهُمَّ بارِكْ لأُمَّتي في بُكورِها» رواه أبو داود والتِّرمذيُّ.

البُكور في كلِّ شيءٍ في الإستيقاظِ.. في بدءِ العملِ.. في الذَّهابِ لموعدٍ.. في التَّخطيط والتَّنظيمِ.. فإذا كنتِ جادَّةً في الوصولِ فإستعيني أيضًا بشيءٍ من الدُّلجةِ حسبَ ما يتيسَّر لكِ «مَن خاف أدلجَ ومَن أدلجَ بلغَ المنزلَ، ألَا إنَّ سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إنَّ سلعةَ الله الجنَّةُ» رواه الترمذي.

بعضُ النساء لا يستطعْنَ السَّيطرةَ على أوقاتهنَّ، لأنَّ لديهنَّ أطفالاً رُضَّعَ، ولكن يجبُ إدراكُ أنَّ الرَّضيعَ في سنِّ سِتَّةِ أشهُرٍ يُمكن تدريبُه على عاداتِ النَّومِ السَّليمةِ، فإذا أُطفِئَ النُّورُ ونام الجميعُ ليلاً سوف ينام وقد يستيقظ مرَّةً أو مرَّتين بالليلِ، لطلبِ الرَّضاعة ثمَّ ينامُ.. وقتُ الرضاعة إستثْمِريه بالإستغفارِ والذِّكرِ والإستماع لوِرْدِك اليوميِّ فتكونين ممَّن يقول الله عنهم {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18].

الكاتب: فاطمة عبد الرءوف.

المصدر: موقع رسالة المرأة.